روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | الشخصـية المقهــورة!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > الشخصـية المقهــورة!


  الشخصـية المقهــورة!
     عدد مرات المشاهدة: 2184        عدد مرات الإرسال: 0

بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء، والحمد لله الذي وفقنا لأن نلامس بعض من مكنونات النفس البشرية التي خلقها وسواها المولى القدير، ونضع أيدينا على بعض ما يعانيه منا، ولعلنا بذلك نفتح بابا للحوار أو للتفكر في مكنون وأسرار النفس البشرية التي خلقها المولى عز وجل على أتم وجه، لكننا نحن الذي نشوهها بأفعالنا وأقوالنا.

اليوم نحن على موعد مع شخصية جديدة بحق في حاجة إلى أن نتبناها ونكون بجوارها ولا نهملها، فهذا ليس كلامي ولا كلام البشر وإنما هو كلام المولى عز وجل، حين قال {فأما اليتيم فلا تقهر*وأما السائل فلا تنهر} [الضحي:9-10].

وكلمة القهر لم تجهدني كثيرا عندما حاولت البحث عن معنى لها، فأقرب وأدق المعاني لها هي كلمة الظلم، وما أدراك ما الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وكم حثنا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم على ترك الظلم مهما كان الأمر، ومن الخير لي أن أكون مظلوما على ألا أكون ظالما، أو حتى أعين ظالما، فمن وجهة نظري أن الظلم من الأمور التي تعد من الكبائر لأن في معناه أخذ الشخص حق ليس بحقه، والمصيبة أن هذا الحق للشخص المظلوم هو في أشد الحاجة إليه، ولنتخيل أي شخص مظلوم أو مقهور سلب حقه من شخص ظالم لا يعرف الله لنتخيل معا مدى المعانة النفسية والبدنية على هذا الشخص.

واليوم ونحن في عالم الإزدهار والإنترنت والجالاكسي والآي باد والآفون -ولا أدري ماذا بعد في عالم التكنولوجيا- اليوم كثرت المشكلات والخلافات بين الناس وبين الأزواج وزوجاتهم نتيجة لمطالب الحياة التي إزدادت بشكل غير طبيعي، لكن لنقف هنا على سبيل المثال عند قهر امرأة تركها زوجها لم يراعي الله فيها ولم يراعي الأهل الذين وثقوا به وأعطوه أعز ما يملكوا، أعطوه إبنتهم فلذة كبدهم، هنا القرآن الكريم يوجهنا وهذا كلام الله وليس كلام البشر بأن لا نتعدى حدود الله فيمن أحلهن لنا، فيقول المولى عز وجل {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:229-230]، والإحسان هنا هو الاساس في التعامل وليس الظلم والتعدي على الحدود.

ولعلنا أحيانا ننظر إلى بعض الناس من خلال مظهرهم فيكون إعتقادنا عنهم أنهم في قمة السعادة، لكن الله أعلم ورسوله ما تخفي هذه الوجوه من ظلم وقهر قد يكون من إناس هم كانوا في حياتهم كل شيء ضحوا من أجلهم، دفعوا كل ما يملكون من أجل إسعادهم، لكن هذا لم يكن كافيا ليرضيهم، لم يكن كافيا ما قدم الشخص المقهور ومهما قدم فالظالم لا يهمه ذلك، لا يهمه إلا أن يشبع رغباته، وبعد ذلك يجور على ضحيته، فكم أناس بيننا قهرتهم الحياة فلم تذيقهم إلا المر والعذاب، لم يروا لها حلوا ابدا، سواء من يتم أو فقر أو مرض أو ظروف سيئة، ليأتي الشخص الظالم ويأخذ ما يأخذ ويترك ضحيته بلا أي سبيل أو مخرج، يتركها ضحية لا يهمه ما هي فيه بل يهمه نفسه فقط، وإرضاء الله عنده أبعد ما يكون عنده، رغم أن هناك دعوة من المظلوم ستوجه عليه حتما إن كان في الدنيا أو الآخرة، وما أدراك لو تأجلت للآخرة فالأمر قاسي وصعب ولا يمكن تخيله في الآخرة، الأمر ليس بهين في الآخرة، كلمة يقولها المظلوم أو المقهور -حسبي الله ونعم الوكيل- أي أنني وكلت ربي ليأخذ حقي منك، هل يعلم الظالم كيف سيأخذ الله حق المظلوم منه ومتى سيؤخذ، فالطامة الكبرى هنا للظالم إن تأجلت للآخرة، ألم نسمع جميعا الحديث النبوي الشريف «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» وفي أقوال أخرى «اتق دعوة المظلوم ولو كان كافرا» إن دعوة اليتيم المظلوم أو المقهور يهتز لها عرش الرحمن.

وكان الله في عون من ذاق مرارة اليتم والظلم والوحدة والفقر، فأحيانا تجتمع تلك الصفات في شخص واحد فهو يتيم أو هي يتيمة تزوجت من إنسان ظالم لا يعرف الله أخذ ما أخذ منها وتركها وظلمها لتجد نفسها وحيدة في حياتها لا تجد من يقف بجانبها تواجه الفقر والوحدة، ولا تجد من يساندها بل العكس تجد من يسيء النية بها، ولا يتركها لحالها بما هي فيه من قهر وذل وكرب، وفي أحيان كثيرة قد يكون وجود الأولاد نعمة فربما تجد تلك السيدة السند لها من جور الناس وجور الدنيا عليها، وفي بعض الأحيان الأخرى قد نجد ان الإبن نقمة وهكذا، وللأسف كثرت تلك الحالات في يومنا ونحن مسلمين موحدين بالله وياللعجب أن يحدث ذلك من إنسان يعرف أن هناك من يرى في السر والعلن، وسيحاسب يوما ما، فما تلك القلوب وما تلك العقول التي نسيت أن الله لها بالمرصاد، قد يعفو إذا أخطأ العبد في حقه أي المولى عز وجل، لكن إذا كان هذا الخطأ أو ظلم لفقير أو مسكين أو ضعيف أو امرأة فإن عقاب الله وعذابه شديد.

إن حدود الله التي شدد عليها في الآيات عظيمة ولا يمكن بأي حال ولأي ظرف التعدي عليها، ولتشديد النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله «اتقي دعوة المظلوم» وما بالك ما دعوة المظلوم التي تهتز لها السماوات، فوالله لقد رأيت أمامي والأمثلة كثيرة أمام الجميع في كل مكان وزمان رأيت من هو مستمتع بظلمه لغيره متناسيا أنه لن يفلت من الله، معتقدا أنه يؤدي الفروض من صلاة وزكاه وصيام وحج وكأنها ستنجيه من إنتقام الله منه، متعقدا أنه بذلك أصبح العبد المسكين لكن كلا فليتمتع كما يحب وليعبد الله كما يشاء فإن الله له بالمرصاد، فمادام هناك مظلوم ميت أو حي تعدى عليه هذا الشخص فإنه لن يفلت ولن يفلت، وما أدراك إذا كان هذا الشخص فلذة كبد مثلا أو زوجة سابقة له أو أخ أو أخت أو قريب أو حتى بعيد، فكيف يقف أمام الله وبأي وجه، فستكفيه دعوة واحدة من المقهور أو المظلوم لتأكل وتزيل كل عباداته.

في الحقيقة أنني عندما فكرت في الكتابة عن تلك الشخصية المقهورة كان أمامي ما هو أمامي من الأمثلة الكثيرة من الأشخاص المقهورين المظلومين الذين قد يعتقد الناس أنهم سعداء، ولكن ظلمهم من ظلمهم وتعدى على حقوقهم وجار على أموالهم معتقدا أنه بذلك يأخذ حقه ناسيا ومتجاهلا دعوة المظلوم ولذا فإنه يأخذ النار من صفه، ولندعه يتمتع بمال اليتيم أو مال الأرملة أو مال الضعيف المسكين، بل أحيانا قد يحرم هذا الظالم ولده وفلذة كبده من حقوقه عليه ولكن فليهنأ قليلا في الدنيا وليشقى ويتعذب كثيرا في قبره وفي آخرته إن لم يعد الحق إلى صاحبه.

ولا أملك إلا أن أمد يدي في النهاية وأنتم معي القراء الأعزاء إلى أي مسكين أو ضعيف ظلمه وقهره غيره وتعدى على حد من حدوده وأذاقه المر والعذاب وأفقده ما أفقده فتركه ضعيفا مسكينا يعاني ويلاطم أمواج الدنيا، وإلى لقاء مع شخصية أخرى بإذن المولى عز وجل.

الكاتب: د. أيمن رمضان زهران.

المصدر: موقع المستشار.